الاثنين، 5 أبريل 2010

ملاعب الصبا


كتبهاناجي امين ، في 16 سبتمبر 2008 الساعة: 20:39 م



ملاعب الصبا بعد غياب أكثر من عقدين من الزمن قررت أن أعود إليك،
استجمعت شتات أفكاري…
أفرغت كل حقائب ذكرياتي القديمة، باحثا عن تحفي الجميلة التي صنتها من عبث الزمان طيلة هذه المدة ، وظلت محفورة على جدار الذاكرة كالوشم على الجبين، كالوشي البهي: بيوت طينية صمدت في وجه الزمان بكل صبر وإباء، وقاومت عوامل التعرية ، وسيول المطر تطل بشموخ على حقول الزيتون والرمان التي كنا نتفيأ ظلالها، ونقطف من ثمارها، ونسبح في أنهارها…..
شجرة تين باسقة حفرت على جذعها الحروف الأولى من اسم أول أول ارتعاشة قلب….
جدران المدرسة العالية..
غابة الصنوبر التي كانت تلف القرية كسوار اخضر…

رفاق الطفولة بضحكاتهم المجلجلة الدافقة بنبض الحياة.. ملاعب الصبا
عدت إليك يسبقني شوقي لمعانقة أحلامي الأولى،
عدت إليك بعد أن خلعت الرجل الذي غزا الشيب مفرقيه وحفرت فيه سيول الزمن أخاديد عميقة، ولبست الطفل الذي كنت منذ عقدين من الزمان، متأبطا محفظة بالية تحوي قليلا من الكتب وبعض الدفاتر والأقلام، ولكنها مليئة بالرؤى والأحلام…
عدت إليك أحمل شوقي الحارق إلى أيام الصبا والشباب الجميلة، فماذا وجدت ؟؟
أصدقاء الطفولة وقد عبثت بهم رياح الأقدار وبعثرتهم كأوراق الخريف الذابلة.. ومن بقي منهم سالما من غارات الزمن، هذا الزمن الرديء لم أكد أتعرف عليهم، بحثت في وجوههم عن تضاريس ذكرياتنا المشتركة فلم أجد إلا الغربة والنكران…
بيوتنا الطينية دكتها ديناصورات العهد الجديد، عهد الاسمنت و الحديد التي أصبحت تطل من أعلى الربوة مثل وحوش أسطورية تحجب السماء والهواء..
شجرة التين العظيمة أخلت مكانها لعمود نور شاحب أو شرطي مرور حزين …لم أعد أذكر؟
كل ما أذكر أني حزمت حقائبي، وفي ثنايا النفس جرح غائر وحزن دفين…
لشد ما تغير كل شيء، صحيح لا يمكن أن نسبح في مياه النهر مرتين..
وصحيح أن لكل زمن أهله.. فخلف جدران المدرسة العالية لا زالت أصوات الصبايا والصبيان تتسامى إلى العلياء كزقزقات طيور في مطلع الربيع…
وعلى سفح الربوة أطفال يرسمون أحلامهم الطفولية بألوان البراءة…
وعلى جذع شجرة ما لازال شاب حالم يحفر الحروف الأولى من اسم محبوبته …
قد يهاجرون مثلي ، ويعودون يوما ما ليشهدوا كيف تغير كل شيء وينشدوا في خشوع قول الشاعر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما القلب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل

هناك تعليقان (2):

  1. أستاذ ناجي ماذا أقول لك..وهل بعد بوحك هذا من قول؟ أخجل من نفسي والله..أخجل منها...
    عشت معك لحظة رائعة أحسست كل حرف رميته، أعرف من أين اصطنعته..إنه من عمق الفؤاد ومن حنينك للماضي الراحل، أستشعر كل ما تقول أستاذ، غلبني الوجد وأنا أقرأ وأعيد جذبتني إلى ذكراك وتذكر تنفسي وما بها من بقايا الماضي.. إني مثلك له حنين وذكرى ومنزلا كان يسكته لكنه ارتحل عنه.

    ولقد سلبتني بعبارتك هاته:
    "شجرة تين باسقة حفرت على جذعها الحروف الأولى من اسم أول أول ارتعاشة قلب…."

    أشكرك أستاذ.

    ردحذف
  2. هذا رابط لتدوينة كتبتها احكي فيها عن شعوري وحنيني لطفولتي، ولي الشرف أن تقرأها.

    http://hams-rroh.blogspot.com/2010/01/blog-post_26.html

    ردحذف